الأحد، 7 أكتوبر 2012

ياعزيزي ...............كلنا مرضي نفسيين


كنت في نوبتجية لي في الاستقبال ودخل عليّ شابين يبدو من هيئتهم ان حالتهم متيسرة وقال لي احدهم ان اخوه قد أخذ كل الحبوب العلاجية هذه محاولة منه للانتحار , وبسؤالي للشاب المنتحر يبدو هادئا وديعا اكتشفت انه في كلية مرموقة ولكنه اصيب بانفصام في الشخصية فترك الكلية, واكد لي اخوه انها ليست المرة الاولي التي يحاول الانتحار فيها فحاول مرارا ان يلقي بنفسه من بلكونة المنزل وبعد ان انهيت غسيل المعدة له تحدثت معه وتكلمت مع اخيه عن كيفية منعه من الانتحار ومراجعة الطبيب وانصرفا وانا ادعو له ان يرفع عنه هذا البلاء .
وبعد هذا الموقف تكلمت كثيرا مع اقاربي واصدقائي واطباء عن المرض النفسي عموما ,, وفوجئت ببعض المعلومات التي تحتاج الي تصحيح جوهري لانها كانت صادمة بالنسبة لي :
1-هناك فرق بين الامراض النفسية وبين الجنون الذي يُذهب باستبصار الاشخاص للامور ويمنعهم من العيش بشكل مستقر كباقي البشر ,أما الامراض النفسية منها نوعان
*العوارض النفسية : وهذه تحدث لنا جميعا في حياتنا عوارض من الحزن او الضيق او الخوف المؤقت من شيئ ولا تتعارض مع حياتنا اليومية ولا تؤثر في حكمنا علي الامور .
*الامراض النفسية : وهذه تختلف اشكالها ودرجاتها من مجرد اضطراب في الحياة نتيجة اكتئاب مزمن او هلع من امر ما الي انفصام وهلوسة ووسواس قهري .
فكلمة مريض نفسي لاتعني انه مجنون كما يظن البعض وأيضا من الجرم ان نوصم كل من يذهب للعلاج عند طبيب نفسي بالجنون بل الجنون ان نترك من يعاني من عرض نفسي مستمر دون علاج الي ان يتحول به الي الجنون او الانتحار .
2- بعض ممن تحدثت معهم اصابوني بصدمة حين ربطوا بين المرض النفسي ودرجة الايمان للشخص المصاب
ولعلي أعجب منهم حين يربطون درجة التقوى والإيمان بامتناع الإصابة بالأمراض النفسية دون العضوية!! فلقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا البيان النبوي شامل لجميع الهموم صغيرها وكبيرها وأيًّا كان نوعها، وفي الأصل فإن الأمراض النفسية مثل غيرها من الأمراض ولا شك، وهي نوع من الهم والابتلاء؛ ولذلك فإنها قد تصيب المسلم مهما بلغ صلاحه.الامام الغزالي علي ورعه وتقواه تحدث بشكل مفصل عن نوبة الاكتئاب الشديد التي اصابته في كتاب " المنقذ من الضلال ".
3- اكتشفت ان الاهل ومن حول المريض النفسي هم من يزيدون مرضه وقد يدفعونه للانتحار احيانا كطريق سريع للخلاص منهم ومن مرضه ,البعض يظن ان المريض النفسي لا يدرك ولا يشعر انه مريض , علي العكس تماما فاول من يعرف انه مريض هو نفسه ,ويعرف متي تسيطر عليه حالة المرض ومتي يعود الي طبيعته , لكن تعامل من حوله من اهله واصدقائه علي شاكلة الكلام المتخفي او نبرة الصوت الهامس في الكلام ظنا انه لا يدرك انهم يتحدثون عنه ,هي الكارثة بعينها لانهاتوصل له شعور بانه اصبح منبوذا ووصمة اجتماعية لمن حوله ولربما وصل الامر الي معايرته بمرضه وقد رأيتها بأم عيني ثم يلوم الاهل عليه بعد ذلك اقدامه علي الانتحار ,وبالمناسبة الانتحار فكرة تسيطر علي الشخص حينما تتوفر كل وسائلها ودوافعها فان المريض النفسي لا يتردد لحظة في الاقدام عليها حتي مع آلاف المواعظ والحكم ,,فرفقا بمن في بيته مريضا نفسيا يحتاج الي اهتمام , حب , حنان , وثقة بانه طبيعي كباقي البشر .
4- حذرني طبيب زميل حين كنت اتحدث مع مريض نفسي ان المرض النفسي معدي فالكلام معه كثيرا قد يصيبني ايضا بهذا المرض , في بعض كلامه شيئ من الصحة وقد لمستها بنفسي وحدثت معي شخصيا ولكن مع احترامي لوجهة نظره لو قرأ اي انسان في كتاب عن الامراض النفسية فانه سيقوم من قراءته وهو ملئ بالامراض النفسية وسيسقط كل الاعراض علي نفسه ,, فهي نظرة سطحية تماما وكأننا بذلك نعزلهم عن عالمنا ومن هنا كان عنواني يا عزيزي كلنا مرضي نفسيين وهو ردي عليه من منا لم يخاف يوما من شيئ ما كالمرض او الموت او الاماكن المرتفعة , من منا لم يصبه حالة من الحزن الشديد اودت به الي اكتئاب , من منا لم يصب باضطراب في حياته يوما اذاً فكلنا مرضي نفسيين الفرق بين من تملك منه الشعور واوقفه عن الحياة وبين من مارس حياته بشكل طبيعي بفضل من الله ومنة عليه .
نحتاج في مجتمعنا الي نشر ثقافة المرض النفسي وتعديل موروثات خاطئة وتغيير قناعات قائمة الي الان . للموضوع بقية ولكن هذه كانت ابرز النقاط التي اعترضت عليها في مجتمعي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق